فصل: (البشارة السادسة):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق (نسخة منقحة)



.(البشارة السادسة):

الزبور الخامس والأربعون هكذا: (فاض قلبي كلمة صالحة أنا أقول أعمالي للملك) 1 (لساني قلم كاتب سريع الكتابة) 2 (بهي في الحسن أفضل من بني البشر) 3 (انسكبت النعمة على شفتيك لذلك باركك اللّه إلى الدهر) 4 (تقلد سيفك على فخذك أيها القوي بحسنك وجمالك) 5 (أستله وأنجح وأملك من أجل الحق والدعة والصدق وتهديك بالعجب يمينك) 6 (نبلك مسنونة أيها القوي في قلب أعداء الملك الشعوب تحتك يسقطون) 7 (كرسيك يا اللّه إلى دهر الداهرين عصا الاستقامة عصا ملكك) 8 (أحببت البر وأبغضت الإثم لذلك مسحك اللّه إلهك بدهن الفرح أفضل من أصحابك) 9 (المر والميعة والسليخة من ثيابك من منازلك الشريفة العاج التي أبهجتك) 10 (بنات الملوك في كرامتك قامت الملكة من عن يمينك مشتملة بثوب مذهب موشى) 11 (اسمعي يا بنت وانظري وأنصتي بأذنيك وانسي شعبك وبنت أبيك) 12 (فيشتهي الملك حسنك لأنه هو الرب إلهك وله تسجدين) 13 (بنات صور يأتينك بالهدايا لوجهك يصلي كل أغنياء الشعب) 14 (كل مجد ابنة الملك من داخل مشتملة بلباس الذهب الموشى) 15 (يبلغن إلى الملك عذارى في أثرها قريباتها إليك يقدمن) 16 (يبلغن بفرح وابتهاج يدخلن إلى هيكل الملك) 17 (ويكون بنوك عوضًا من آبائك وتقيمهم رؤساء على سائر الأرض) 18 (سأذكر اسمك في كل جيل وجيل من أجل ذلك تعترف لك الشعوب إلى الدهر والى دهر الداهرين).
وهذا الأمر مسلم عند أهل الكتاب أن داود عليه السلام يبشر في هذا الزبور بنبي يكون ظهوره بعد زمانه، ولم يظهر إلى هذا الحين عند اليهود نبي يكون موصوفًا بالصفات المذكورة في هذا الزبور، ويدعى علماء بروتستنت أن هذا النبي عيسى عليه السلام، ويدعي أهل الإسلام سلفًا وخلفًا أن هذا النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم. فأقول أنه ذكر في هذا الزبور من صفات النبي المبشر به هذه الصفات:
(1) كونه حسنًا.
(2) كونه أفضل البشر.
(3) كون النعمة منسكبة على شفتيه.
(4) كونه مباركًا إلى الدهر.
(5) كونه متقلدًا بالسيف.
(6) كونه قويًّا.
(7) كونه ذا حق ودعة وصدق.
(8) كونه هداية يمينه بالعجب.
(9) كون نبله مسنونة.
(10) سقوط الشعب تحته.
(11) كونه محبًّا للبر ومبغضًا للإثم.
(12) خدمة بنات الملوك إياه.
(13) إتيان الهدايا إليه.
(14) انقياد كل أغنياء الشعب له.
(15) كون أبنائه رؤساء الأرض بدل آبائهم.
(16) كون اسمه مذكورًا جيلًا بعد جيل.
(17) مدح الشعوب إياه إلى دهر الداهرين.
وهذه الأوصاف كلها توجد في محمد صلى اللّه عليه وسلم على أكمل وجه.
أما الأول: فلأن أبا هريرة رضي اللّه عنه قال: «ما رأيت شيئًا أحسن من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه وإذا ضحك يتلألأ في الجدار».
وعن أم معبد رضي اللّه عنها قالت في بعض ما وصفته به: (أجمل الناس من بعيد وأحلاهم وأحسنهم من قريب).
وأما الثاني: فلأن اللّه تعالى قال في كلامه المحكم: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض} الآية. وقال أهل التفسير أراد بقوله {ورفع بعضهم درجات} محمدًا صلى اللّه عليه وسلم أي رفعه على سائر الأنبياء من وجوه متعددة، وقد أشبع الكلام في تفسير هذه الآية الإمام الهمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير. وقال صلى اللّه عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر» أي لا أقول ذلك فخرًا لنفسي بل تحدثًا بنعمة ربي.
وأما الثالث: فغير محتاج إلى البيان حتى أقر بفصاحته الموافق والمخالف، وقال الرواة في وصف كلامه: إنه كان أصدق الناس لهجة فكان من الفصاحة بالمحل الأفضل والموضع الأكمل.
وأما الرابع: فلأن اللّه تعالى قال: {إن اللّه وملائكته يصلون على النبي} وألوف ألوف من الناس يصلون عليه في الصلوات الخمس.
وأما الخامس: فظاهر وقد قال هو بنفسه أنا رسول اللّه بالسيف.
وأما السادس: فكانت قوته الجسمانية على الكمال، كما ثبت أن ركانة خلا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بعض شعاب مكة قبل أن يسلم فقال: «يا ركانة ألا تتقي اللّه وتقبل ما أدعوك إليه. فقال: لو أعلم واللّه ما تقول حقًّا لاتبعتك. فقال: أرأيت إن صرعتك أتعلم أن ما أقول حق قال: نعم، فلما بطش به صلى اللّه تعالى عليه وسلم أضجعه لا يملك من أمره شيئًا، ثم قال: يا محمد عد فصرعه أيضًا فقال: يا محمد إن ذا لعجب. فقال صلى اللّه عليه وسلم: وأعجب من ذلك إن شئت أن أريكه إن اتقيت اللّه وتبعت أمري. قال: ما هو قال: أدعو لك هذه الشجرة فدعاها فأقبلت حتى وقفت بين يديه صلى اللّه تعالى عليه وسلم. فقال لها: ارجعي مكانك. فرجع ركانة إلى قومه فقال: يا بني عبد مناف ما رأيت أسحر منه ثم أخبرهم بما رأى». وركانة هذا كان من الأقوياء والمصارعين المشهورين.
وأما شجاعته فقد قال ابن عمر رضي اللّه عنهما: «ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم» وقال علي كرم اللّه وجهه: «وإنا كنا إذا حمى البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأسًا».
وأما السابع: فلأن الأمانة والصدق من الصفات الجليلة له صلى اللّه عليه وسلم، كما قال النضر بن الحارث لقريش: (قد كان محمد فيكم غلامًا حدثًا أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثًا، وأعظمكم أمانة. حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم قلتم إنه ساحر، لا واللّه ما هو بساحر). وسأل هرقل عن حال النبي صلى اللّه عليه وسلم أبا سفيان فقال: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال. قال: لا.
وأما الثامن: فلأنه رمى يوم بدر وكذا يوم حنين وجوه الكفار بقبضة تراب فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه فانهزموا وتمكن المسلمون منهم قتلًا وأسرًا فأمثال هذه من عجيب هداية يمينه.
وأما التاسع: فلأن كون أولاد إسماعيل أصحاب النبل في سالف الزمان، غير محتاج إلى البيان وكان هذا الأمر مرغوبًا له وكان يقول: «ستفتح عليكم الروم ويكفيكم اللّه فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه». ويقول: «ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا». ويقول عليه السلام: «من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا».
وأما العاشر: فلأن الناس دخلوا أفواجًا في دين اللّه في مدة حياته.
وأما الحادي عشر: فمشهور يعترف به المعاندون أيضًا، كما عرفت في المسلك الثاني.
وأما الثاني عشر: فقد صارت بنات الملوك والأمراء، خادمة للمسلمين في الطبقة الأولى، ومنها شهربانو بنت يزدجرد، كسرى فارس، كانت تحت الإمام الهمام الحسين رضي اللّه عنه.
وأما الثالث عشر والرابع عشر: فلأن النجاشي ملك الحبشة ومنذر بن ساوى ملك البحرين وملك عمان انقادوا وأسلموا، وهرقل قيصر الروم أرسل إليه بهدية، والمقوقس ملك القبط أرسل إليه ثلاث جوار، وغلامًا أسود وبغلة شهباء، وحمار أشهب، وفرسًا وثيابًا وغيرها.
وأما الخامس عشر: فقد وصل من أبناء الإمام الحسن رضي اللّه عنه إلى الخلافة، وألوف في أقاليم مختلفة من الحجاز واليمن ومصر والمغرب والشام وفارس والهند وغيرها. وفازوا بالسلطنة والإمارة العلية، وإلى الآن أيضًا في ديار الحجاز واليمن، وفي غيرهما توجد الأمراء والحكام من نسله صلى اللّه عليه وسلم، وسيظهر إن شاء اللّه المهدي رضي اللّه عنه من نسله، ويكون خليفة اللّه في الأرض، ويكون الدين كله للّه في عهده الشريف.
وأما السادس عشر والسابع عشر: فلأنه ينادي ألوف ألوف جيلًا بعد جيل في الأوقات الخمسة، بصوت رفيع في أقاليم مختلفة: (أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمدًا رسول اللّه). ويصلي عليه في الأوقات المذكورة الغير المحصورين من المصلين، والقراء يحفظون منشوره، والمفسرين يفسرون معاني فرقانه، والوعاظ يبلغون وعظه، والعلماء والسلاطين يصلون إلى خدمته، ويسلمون عليه من وراء الباب، ويمسحون وجوههم بتراب روضته ويرجون شفاعته.
ولا يصدق هذا الخبر في حق عيسى عليه السلام. كما يدعيه علماء بروتستنت ادعاء باطلًا، لأنهم يدعون أن الخبر المندرج، في الباب الثالث والخمسين من كتاب أشعيا، في حق عيسى عليه السلام، ووقع في هذا الخبر في حقه هكذا: (ليس له منظر وجمال ورأيناه ولم يكن له منظر واشتهيناه مهانًا، وآخر الرجال رجل الأوجاع مختبرًا بالأمراض، وكان مكتومًا وجهه ومزدولًا ولم نحسبه، ونحن حسبناه كأبرص ومضروبًا من اللّه ومخضوعًا، والرب شاء أن يستحقه).
وهذه الأوصاف ضد الأوصاف التي في الزبور المذكور، فلا يصدق عليه كونه حسنًا، ولا كونه قويًّا. وكذا لا يصدق عليه كونه متقلدًا بالسيف، ولا كون نبله مسنونة، ولا انقياد الأغنياء، ولا إرسالهم إليه الهدايا، بل هو على زعم النصارى، أخذوه وأهانوه واستهزؤوا به، وضربوه بالسياط، ثم صلبوه. وما كان له زوجة ولا ابن، فلا يصدق دخول البنات في بيته، ولا كون أبنائه بدل آبائه رؤساء الأرض.
(فائدة) ترجمة الآية الثامنة التي نقلتها مطابقة للترجمة الفارسية للزبور كانت عندي، ولتراجم أردو للزبور، وموافقة لنقل مقدسهم بولس، لأنه نقل هذه الآية في الباب الأول من رسالته العبرانية. هكذا ترجمة عربية سنة 1821، وسنة 1831، وسنة 1844: (أحببت البر وأبغضت الإثم، لذلك مسحك اللّه إلهك بدهن الفرح أفضل من أصحابك). والتراجم الفارسية المطبوعة سنة 1816، وسنة 1828، وسنة 1841. وتراجم أردو المطبوعة سنة 1839، وسنة 1840، وسنة 1841. مطابقة للتراجم العربية. فالترجمة التي تكون مخالفة لما نقلت تكون غير صحيحة. ويكفي لردها إلزامًا كلام مقدسهم. وقد عرفت في مقدمة الباب الرابع أن إطلاق لفظ الإله والرب وأمثالهما، جاء على العوام فضلًا عن الخواص. والآية السادسة من الزبور الثاني والثمانين هكذا: (أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلى كلكم). فلا يرد ما قال صاحب مفتاح الأسرار أنه وقع في الآية المذكورة هكذا: (أحببت البر وأبغضت الشر، من أجل ذلك يا اللّه مسح إلهك بدهن البهجة أفضل من رفقائك، ولا يقال لشخص غير المسيح يا اللّه مسح إلهك) الخ، لأنا لا نسلم أولًا: صحة ترجمته لكونها مخالفة لكلام مقدسهم. وثانيًا: لو قطعنا النظر عن عدم صحتها، أقول ادعاؤه صريح البطلان. لأن لفظ اللّه ههنا بالمعنى المجازي لا الحقيقي ويدل عليه قوله إلهك، لأن الإله الحقيقي لا إله له. فإذا كان بالمعنى المجازي يصدق في حق محمد صلى اللّه عليه وسلم كما يصدق في حق عيسى عليه السلام.